فصل: النوع الثالث: في معلمات الصيد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التعريف بالمصطلح الشريف



.النوع الثاني: في جليل الوحوش، سباعه وغير سباعه:

في الأسد: وإذا بغابة تزأر أسودها، وتجأر منها حمر المنايا وسودها؛ قد دميت براثنا، وعطفت مثل الأثافي محاجنها؛ وتلظت كبودها الحرار، وأمن معها الاغترار؛ قد دارت حماليق حدقها، وظهرت عليها أماير حنقها؛ ولوت أذنابها وأقعت، وأعجلت الواصف أن ينعت؛ كأنما سربلت بالدماء، واقتطعت ذلك الغاب دون أسد السماء؛ لا تتباطأ المنايا عن وثباتها السراع، ولا يبعد مدى الآجال وليس بينها وبينه إلا قدر ذراع؛ لو نزل به العوام لأنكر نسبه في بني الأسد، أو أبو القرى لرأى ادعاء أبوته رأيا فسد؛ قد وقفت تحامي عن تلك الفريسة، وتمنع كل ضرغام منها أن يدخل خيسه؛ فخاف كل واحد تلك الغابة ومن دونها الكئيب الفرد، وصار إذا ذكر له الورد عطس قبل أن يشمه منذ قيل: الأسد الورد.
في النمر: ووثب من تحت أكمة هناك نمر ما يدعى مثله لقاسط، ولا يتمطر مثله لقانط؛ قد سمر إهابه، ووقف وهو يوهم أنه يريد ذهابه؛ قد راب لونه المنمر، وعاب كل كلف برقة الخصر لما رأى خصره المزنر، لا يرجى خير لديه، ولا يطمع خفيف الجري بالفرار من بين يديه؛ لو شاء أن يثب الجبل لوثب، أو يكسر الصخر الأصم وسمع حسا لقيل وجب؛ لا ينفع منه حذار، ولا يحول بينه وبين غنيمته من الغنم علو جدار؛ يفزع الرجل الجليد من لونه الأرقط، ويطن أنه من دماء الكسائر ما تنقط.
في الذئب: وقد قيل إن بمنعرج اللوى ذئبا قد أخاف كل سائمة، وآلى إلى وكنها كل هائمة؛ وأخاف السرح فلم يمتد، وهاجم القطيع ولم يرتد؛ حتى فعل الفظيع، وقطع القطيع؛ وتوقدت حماليقه توقد السرج، وتموجت أعضاؤه تموج الخلج؛ وزان نحفه بوبره، وفتقت براثنه ما خاط بإبره، وطالما أبعد النجعة، وزار في الليل بعد هجعة؛ وفتن بخده الأسيل، وقعد على المائدة مع الإكليل؛ هذا وربما تجسس، وأبغض لأجله كل ديباج لكونه يسمى بأطلس.
في الفيل: ومن فيل كأنه ليل ضاحك عن نهار، وطور خرطومه منه شفير منهار؛ كأنه راقص جاء يرقص بكمه، أو داخل على ملك عاجل الأرض بلثمه؛ له ناب لا يبالي بما ناب، لمع منه برق في سحاب، وانقض في الليل منه شهاب؛ بناء مشيد، من حجر لا أو حديد؛ لا يطاوله بنيان، مشيد على أربعة أركان؛ يموج كأنه سكران، ويمور كأنه ثعبان؛ ويصول كأنه إنسان، ويهول كأنه جان؛ سائس مسوس، رئيس مرءوس؛ مطيع مطاع، يطل بين عينيه شجاع، يخف إلى الحرب حاملا على صهوته بعض القلاع. .
في الكركدن: وأتى بكركدن لو نار شب في معقله لما نزح، ولو ثار له الكبش في الهيجاء لنطح؛ طالما رعى في بطن أمه، وجهد له الفيل ولم يقدر على سلمه؛ قد عدم على كثرة ذوات الأوراق ما يباريه، وأقبل في بحر الآل كالمركب وقرنه ساريه؛ من شبهه قال هذا جبل غرس عليه وتد من الأوتاد، ومن نظره بين عينيه قال عمود سرب نسوة عند مقتاد.
في الزرافة: قال الجاحظ: زعموا أن الزرافة خلق تولد بين الناقة من نوق الحبوش أي نوق الحبشة وبين البقرة الوحشية وبين الذيخ- وهو ذكر الضباع- قالوا: إن الذيخ يعرض للناقة من الحبوش فيسفدها فتلقح بولد يجيء خلقه بين الناقة والضبع، فإن كان الولد أنثى يعرض لها الثور الوحشي فيضربها فيصير الولد زرافة، وإن كان ذكرا تعرض للمهاة فألقحها فتلد زرافة أيضا. قال: ومنهم من زعم أنه لا تلقح الزرافة الأنثى من الزرافة الذكر، وإنما هو مركب. قال: وقالوا إن هذا مشهور باليمن والحبشة؛ وأسنان الذكور أكثر من أسنان الإناث؛ وإذا كانت أسنانها سودا دلت على هرمها، وإذا كانت بيضاء دلت على الفتاء. ومن أمراضها: الكلب؛ وهو كالجنون يعتريها كما يعتري الكلب فيقتلها- وكل من عضته وهي على هذه الحالة قتلته إلا ابن آدم فإنه ربما عولج فسلم؛ ومن أمراضها أيضا: الذبحة والنقرس.
- ويقال في وصفها:
كأنها كأس خمر جال عليه حبب، أو فضة نقط بها ذهب؛ قد ارتفع هاديها على ذنبها، وعلا رأسها على رقبتها حتى كاد يبلغ السماء بسببها؛ ليست للمها ولا للبقر، وإن لم تكن مما يجل فإنها ليست مما يحتقر.
في الحمارة العتابية: وقد تساوى فيها الليل والنهار، واعتدل البياض والسواد بمقدار؛ واستقامت خطوطها، وتدفقت فيها أنهار قدرها شطوطها؛ فتشمخت إعجابا، وجمعت شيبا وشبابا؛ وراقت حلتها المسهمة، وتخاطيطها المقسمة؛ وغدت روضة تفتح نوارها، وليلة يتخلل بين الظلماء أنوارها؛ قد فضض سبجها، وكثرت في أثناء لياليها الجون فرجها؛ وغدت وكأن النهار قد قد إهابها، وكأن البرق قد شقق سحابها؛ هذا على أنها لم تعد أمثالها في صورتها، ولا تخالفت أغصان الخطوط في شجرتها؛ حتى تلاقت عند طرف آذانها، وكفت شجراء الشجر بصحة تقسيم أغصانها.
في الحمار الوحشي: وعن حمار حمار وحشي قد شمر فضل إهابه ليذهب، وجرى في مدى شوطه حتى كاد يتلهب؛ قد أسبل ذنبا كأنه من حرير ملون، وداس بحافر كأنه من قعب مكون وسن ضرسا طبع على خصي الذكور غيرة على الأتن، وقلب عينيه لفهم ما تؤدي إليه خبرة الأذن؛ فقتل بالسهم الصائل منه جد غيور، وردي منه قتيل طالما رد الإناث وأردي بالذكور.
في البقر الوحشي: وجرت على يمناه بقرة وحشية قد اشتبكت أغصان قرونها، وأطلق أسهمها على كرائم النساء لحسن عيونها؛ فقصدها برمحه، وعدها من ربحه؛ هذا وقد كثر في السرب أمثالها إلا أنها كانت أقرب إليه، والمقصودة منه على كثرة البقر الذي تشابه عليه.
في المها: وصادف في ذلك المهمه مها لا تردي الفوارس إلا بعيونها، ولا تحب أبكار النساء إلا لشبه عونها؛ قد لبست من الديباج حللا، واكتست بالوبر فلم تبق خللا؛ فلو فطنت لها الغواني لما خرجت لبيوتها من كسر ولا فتنت بعيونها بين الرصافة والجسر.
في الغزال: وسنح غزال سبى بحسن خفره، وسمح بإعطاء الرياح بعض خبره؛ قد تلفت بجيده، وانفتل يهزأ بالكلب في وصيده؛ لو عن للعشاق لهاموا، ولعذلوا لصائده ولاموا؛ ولما نصبوا بيوت أشعارهم لغيره على طريق، ولا قال قائل منهم: أنت منهم لليلى ما حييت طليق؛ ووراءه أم طلى لم تخف إلا على طلاها، ولم تحل إلا أن مسكا غلف روقها وأن كافورا طلاها؛ لم يفت العامرية معناها، على أنه لم يشبهها منها إلا جيدها وعناها.
في الأرنب: ولم يكسو مثل وبرها، ولا سمع مثل خبرها؛ تحلت بصفات الذكور والإناث، وكادت لخفة جريها تكون ذات أجنحة مثنى وثلاث؛ لا يظن كل ذي وثب من الظباء معها إلا أنه يحجل، ولا يطمع في اللحاق بها أيد سراع وأرجل؛ ولا تدرك إلا إذا تحدرت من صبب، أو كانت في مجال الخيل فيه ركض وخبب؛ فأما إذا تعلقت بالجبال، أو تردت في مقتبل الخريف برد الظلال، فطائر لا يمسك، وأمل لا يدرك، ولا تصبر النفس عليه فيترك.
في الثعلب: ومر ثعلب ظنه الكلب من أبناء جنسه، خرج بعد تحصنه بالوجار طول حبسه؛ فنبهت عليه الكلاب، وأطلقت وراءه في الطلاب؛ فلم يزل يتلوى عليها في المطاردة مثل العنان، ويراوغ الكلب مراوغة البطل في الحرب العوان؛ ويهزأ بالقانص ببصبصة ذنبه، ويطفر كل طفرة يخاف فيها عنقود الثريا على عنبه.
في الهرة: ومن هرة تنفق ما كسد، وتحكي في انتفاخها صولة الأسد؛ ذات أنس في الدار، وأس للغار؛ تخالس مخالسة الذئاب، وتسطو بأظفار وأنياب؛ طالما ساورت الأرقم، وتجرعت منه مر العلقم؛ وأكلت منه السم الذباح، واستوطنت البيوت وتركت ظاهرها للكلب النباح.

.النوع الثالث: في معلمات الصيد:

أول من صاد بالكلاب بالفرس، وأول من اتخذها (دارا)؛ وكذلك الفهد، وأول من اتخذ كسرى أنوشروان، وأول من صاد بالعقاب أهل المغرب، ولا يعد في الصقور ولا البزاة. وأول من صاد بالصقور الحرث بن معاوية بن كندة والسنقر منها، والعهد بجلبه إلى بلادنا قريب؛ وأول من صاد بالبازي البطالسة ملوك مصر.
في الفهد: ومعه من الفهود رديف يبرز على الغزال الموت من مكمنه، ويأخذ في وسط السرب من مأمنه؛ يثب عليه وثبا، ويخالسه إما رأى شجرا أو كثبا؛ لا ينظر منه حيث التفت حركه، ولا يظن لحاقه ولا دركه؛ لا يزال يمهله حتى إذا أمسكه لم يكد يفلته، ولم يعد يسلطه مرسله وسكينه معه لم يصلته؛ فلم يستطع الظبي أن يفر لديه، ولا يتخفى منه وما فيه جارحة إلا وفيها عين تنظر إليه؛ وقد أعجب منه حرز أحداقه، وذائب الكحل من آماقه، وحسن ما يروق في جيده من قلائده وأطواقه؛ هذا إلى لين جلدته، ورونق جدته، وما جمع من سواد وبياض، وكمائم لم تفتح في نوار رياض.
في الكلب: وهو نوعان: السلوق والزغاري. فأما السلوقية فمنسوبة إلى (سلوق)، وهي من بلاد اليمن؛ ولها سلاح جيد وكلاب فره. وإناث الكلاب أسرع تعلما من ذكورها. قالوا: تتولد السلوقية بين الثعالب والكلاب، ولا يقبل التعليم إلا البطن الثالث منها. قال الجاحظ: وخير الكلاب ما كان لونه يذهب إلى لون الأسد بين الصفرة والحمرة، ثم البيض إذا كانت عيونها سوداء. قال: ويستدل فيها على الفراهة بطول ما بين يدي الكلب ورجليه، وبقصر ظهره؛ ويكون صغير الرأس، طويل العنق، غليظه، يشبه بعض خلقه بعضا، قصير اليدين، طويل الرجلين، غليط العضدين، أزرق العينين، عظيم المقلتين، ناتئ الحدق، طويل الخطم لطيفه، واسع الشدقين، ناتئ الجبهة عريضها، طويل الصدر غليظه، مضموم الإصبع، دقيق الوسط. ويكره في ذكورها طول الذنب، ولا يكره في إناثها.
في السلوقية: وأطلقت من قداتها فانبثت تولول أنيابها، وتلوي أذنابها؛ وتحسب أنها مما طويت خصورها أنابيب، ومما مطرها الجري شآبيب؛ خرجت تبتغي رزقا، وتطلب عسفا لا رفقا؛ لا تدع كناسا إلا كنست، ولا سرب وحش إلا حتوفا، ولا تقرأ من مفرقاتها سطور سربها إلا حروفا؛ تجهد في فنائها، وتجد في إخراجها من فنائها؛ وتزداد عليها كلبا لا يرطبه شحومها، ولا ينالها منها إلا دماؤها إلا لحومها.
في الزغاريات: ولديه زغاريات منها كل صغير الحجم، ينقض كالنجم، يسلك كل طريق لا يسلك فجه، ويملك منه ما لا يملك من السلوقي المضاعف نسجه؛ يخرج كل ذات وكر، ويطأ إليها كل أرض يفتض منها عذرة البكر؛ لولاه لما حصل الصيد، وإذا فاته البطش باليد لم يفته بالكيد.

.النوع الرابع: الجوارح:

ويستحب في الجوارح كبر هامتها، ونتوء صدرها، واتساع حماليقها، وقوة إبصارها، وحدة مناسرها، وصفاء لونها، ونعومة رياشها، وقوة قوادمها، وتكاثف خوافيها، وثقل محملها، وخفة وثباتها، واشتدادها في الطلب، ونهمها في الأكل.
ثم اعلم أن الطيور الجوارح نوعان: صقور وبزاة.
فالصقر ما كان أسود العين، والبازي ما كان أصفر العين، على خلاف المسميات. ثم اعلم أن أشرف الجوارح المسماة في وقتنا: السناقر، وليس لها ذكر في القديم؛ وهي مجلوبة من البحر الشامي، مغالى في أثمانها. وقد كان الواحد منها يبلغ ألف دينار، ثم نزل عن تلك الرتبة، وانحط عن تلك الهضبة؛ وهو معدود في الصقور.
واعلم أن الصقور هي: المختصة الآن بتسمية الصقر، وتسميها العرب:
الحر، ومنها الشاهين، والكوهية- وهي بحرية- والسقاوة، والجلمة.
والبزاة هي: البازي، والزرق، والباشق- ويسمى اليؤيؤ- وأما العقاب فقد قدمنا أنه لا يعد في الصقور ولا في البزاة، وهو معدود في الجوارح وفي الطير الجليل؛ ونبهنا على ذلك لموضع الفائدة فيه، فليعلم ذلك.
في العقاب: وأظلتها عقاب ربما أحسنت السهام بريشها عند المناب، وأضحت وكأن قلوب الطير حالين لدى وكرها الحشف البالي والعناب؛ ولا ينجو طريد من مخلبها، ولا يأمن وهو في الهواء بؤس منقلبها؛ تخاف الشمس في أفق السماء من شدة حرصها، ومذ تسمت بالغزالة ونظرت نار عينيها ما تحرت تجر النار إلى قرصها؛ قد أردفت بأمثالها من كل ذات إقدام لا يقدم عليها جبان، ولا تنشر الأعلام مثل أجنحتها وإن قيل لها عقبان؛ تتطامن لها الظباء كأنها إليها تضرع، وتتخبط لها حين تصرع.
في الصقر: ومن صقر لا تؤسى له جراح، ولا يدع من وحش يسرح ولا طائر يطير بجناح؛ أينما وجه لا يأتي إلا بخير، وحيثما أطلق كان حتف الوحش والطير؛ يدع أقطار الفلاة مجزرة، أو روضة بالدماء مزهرة؛ يجد إلى الطير في عنقه، ويحلق إلى السماء ويرجع وطائره في عنقه؛ تخافه العفر على نفوسها، وتخضع له ولأمثاله فما تخرج إلا والطير على رءوسها؛ يزيد خبره في مضان الصيد على الخبر، وتخرج الظباء وقد انسجنت خوفا منه في ملاءة من العجاج مخيطة من قرونها بالإبر؛ شديد الأيد، قد بنى على الكسر حروف الصيد؛ يحمد مقتنيه أيامه الغر، ويقول له إذا تلفت إلى الصيد: إن جلبت ضيفا فأنت حر؛ لا يحب مستصحبه معه غلا مزاده، وأينما سار حامله وهو على يده كأن معه زاده.
في السنقر: وبينها سنقر هو فيها ملك متوج، ورزق مروج؛ تجرأ على سفك الدماء، وأبى أن يطلب رزقه إلا من السماء؛ يود الكركي لو خلص من مخاليبه، ويخاف أن يسلم من خرط الشبكة ويقع في كلاليبه؛ يدرك الصيد ولا يؤجله، ويدفع صدره ثم يومي إليه برأسه كأنه يستعجله؛ قد جمع من المحاسن كل الصنوف، وكتبت عليه أسطر تقرأ بما تقرى به الضيوف.
في الشاهين: ومن شاهين مذ حلق وراء الطير شاهت به الوجوه، وشاهدت الأمال به ما ترجوه؛ قد أصبح كل محلق بجناحه رهين يده، وكل سارب من الوحش طعام يومه أو غده؛ لا يتعبه خلف الطريدة بعد المدى، ولا يرده خوف مسافة ولا تقحم ردى؛ ريبة عام لم يمنع بطول دهر، وممتد منه في الطلق مثل ريح سليمان التي غدوها شهر ورواحها شهر.
في الكوهية: ووتبعتها كوهية، هي بالمحاسن حرية، ولكثرة الأقدام مجرية؛ قد وكل يها أمر مطبخه، وأمد بها من الطير من ليس بمصرخه؛ لا تعف عن دم، ولا ترى أطرافها إلا مثمرة بعناب أو مخضبة بعندم؛ قد أخلت من كل سانح، ولبست زي الراهب المتعبد وفتكت بكل سائح.
في السقاوة: وأطل عليها بلاء اسمه السقاوة، وحنت عليها مخاليبها وهي كالحديد أو أشد في القساوة؛ حتى سالت الدماء كالمذانب، وكست الأرض حبرا من رياش الحبارى وفرى من جلود الأرانب؛ وجعلت في قبضة الكلب ما كانت عليه العين تدور، وتكفلت بكفاية المطبخ وملأت القدور.
في الجلم: وخرج ومعه من الجلم كل صغير لا يحتقر، وصائد إلى سواه لا يفتقر؛ كأنما خلقت من داجي الظلم، وطبعت من حديد السيوف وإن سميت بالجلم؛ فأخذت دق الطير أخذا بغير رفق، وتسلطت عليها فما كانت إلا حمى الدق؛ ثم انفرد منها باثنين أرسلهما على كركي شذ عن رفاقه، وقارنه نحسان لسوء اتفاقه، فأخذاه عن اليمين وعن الشمالن وتبا له من الحياة الآمال؛ فهوى لديهما هويا، وغلب بهما- وضعيفان يغلبان قويا.
في البازي: وأطلق منه بازي مهما لقي لقف، ومها خطا لديه خطف؛ كأنما خط جؤجؤ بقلم، أو رش عليه من الصباح والظلم؛ قد اعتد للطوارق، وادرأ بمثل الطوارق؛ قد دحض حجج الحجل، وكسرها حتى أبان عليها حمرة الخجل؛ لا يسأل من الصيد عما نهب، ولا تعرف له قيمة إلا أن له عينا من ذهب.
في الزرق: وحلق الزرق تحليق البازي المطل؛ والبطل المدل؛ قد تقاضى الطيور بغير دينه، واقتدر على ضعافها فدرة القوي ذي الذهب بعينه؛ وأضحت كل لائذة لا تغاث، والبزاة لا تفخر لأن الذكور لا تقاومها الإناث؛ وعطف من مخلبه حرف صلة وجناحه العائد، وأوقد من مقلته نارا لو شاء لشوى عليها الصائد.
في الباشق: وانقضت البواشق على تلك الحانيات، ولقفت ما قدرت عليه من تلك الحائمات؛ ثم حطت على ما لبد منها في مكمنه، وأخذته بالخوف من مأمنه؛ وتهاوت من ناحية تلك السهام، وفعلت ما أمكنها وكان أكثر فعلها بالأوهام؛ ولم يبق ذو جناح منها حتى قش منها ما وقع تحت الأشجار، وينج في الطلق الواحد عدد البنج؛ وجار ولم يخط شيء من تلك السهام الرواشق، ولا رجعت منها إلا بقوت الجماعة وقد قيل إن ما فيها قوت الباشق.